فصل: تفسير الآية رقم (76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (71- 72):

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}
{وَإِن مِّنكُمْ} التفات إلى الإنسان، يعضده قراءة ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهما: {وإن منهم} أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود دخولهم فيها وهي خامدة، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم. عن ابن عباس رضي الله عنه: يردونها كأنها إهالة.
وروي دواية.
وعن جابر بن عبد الله أنه سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ قالَ بعضُهُمْ لبعضٍ: أليسَ قدْ وعدَنَا رَبنا أنْ نردَ النارَ، فيقالُ لَهُمْ: قدْ وردتمُوها وهي خامدةٌ» وعنه رضي الله عنه أنه سُئِل عن هذه الآية؟ فقال: سمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الورودُ الدخولُ، لا يبقَى بَرٌ ولا فاجرٌ إلاَّ دخلها، فتكونُ على المؤمنِينَ برَداً وسلامَاً كَما كانَتْ على إبراهيمَ، حتَّى إنَّ للنارِ ضجيجَاً مِنْ بردهِا» وأما قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] فالمراد عن عذابها.
وعن ابن مسعود والحسن وقتادة: هو الجواز على الصراط؛ لأنّ الصراط ممدود عليها.
وعن ابن عباس: قد يرد الشيءُ الشيءَ ولا يدخله، كقوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} [القصص: 23] ووردت القافلة البلد، وإن لم تدخله ولكن قربت منه.
وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا، بقوله عليه الصلاة والسلام: «الحمّى من فيح جهنم».
وفي الحديث: «الحمّى حظ كل مؤمن من النار» ويجوز أن يراد بالورود: جثوّهم حولها. وإن أريد الكفار خاصة، فالمعنى بيِّن.
{كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} الحتم: مصدر حتم الأمر إذا أوجبه، فسمى به الموجب، كقولهم: خلق الله، وضرب الأمير، أي: كان ورودهم واجباً على الله، أوجبه على نفسه وقضى به، وعزم على أن لا يكون غيره {ثُمّ نُنَجِّي ا لَّذِينَ ا تَّقَواْ} قرئ {نُنَجِّى} و {ننجى} و {ينجى} و {ينجى} على ما لم يسم فاعله. إن أريد الجنس بأسره فهو ظاهر، وإن أريد الكفرة وحدهم فمعنى {ثُمَّ نُنَجِّى الذين اتقوا} أنّ المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري وابن أبي ليلى {ثَمَّ ننجى} بفتح الثاء، أي هناك. وقوله: {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً} دليل على أنّ المراد بالورود الجثوّ حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد تجاثيهم، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)}
{بينات} مرتلات الألفاظ، ملخصات المعاني: مبينات المقاصد: إما محكمات أو متشابهات، قد تبعها البيان بالمحكمات. أو بتبيين الرسول قولاً أو فعلاً. أو ظاهرات الإعجاز تحدّى بها فلم يقدر على معارضتها. أو حججاً وبراهين. والوجه أن تكون حالاً مؤكدة كقوله تعالى: {وَهُوَ الحق مُصَدّقًا} [البقرة: 91] لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججاً {لِلَّذِينَ ءامنوا اْ} يحتمل أنهم يناطقون المؤمنين بذلك ويواجهونهم به، وأنهم يفوهون به لأجلهم وفي معناهم، كقوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]. قرأ ابن كثير {مقاماً} بالضم وهو موضع الإقامة والمنزل، والباقون بالفتح وهو موضع القيام، والمراد المكان والموضع. والندىّ: المجلس ومجتمع القوم، وحيث ينتدون. والمعنى: أنهم إذا سمعوا الآيات وهم جهلة لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وذلك مبلغهم من العلم، قالوا: أيّ الفريقين من المؤمنين بالآيات والجاحدين لها أوفر حظاً من الدنيا حتى يجعل ذلك عياراً على الفضل والنقص، والرفعة والضعة؟ ويروى أنهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنون ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخرة، ثم يدعون مفتخرين على فقراء المسلمين أنهم أكرم على الله منهم.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)}
{كَمْ} مفعول {أَهْلَكْنَا} و{مِّن} تبيين لإبهامها، أي: كثيراً من القرون أهلكنا، وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم. و{هُمْ أَحْسَنُ} في محل النصب صفة ل (كم). ألا ترى أنك لو تركت {هُمْ} لم يكن لك بدّ من نصب {أَحْسَنُ} على الوصفية.
الأثاث: متاع البيت. وقيل: هو ماجدَّ من الفرش. والخرثي: ما لُبسَ منها. وأنشد الحسن بن علي الطوسي:
تَقَادَمَ الْعَهْدُ مِنْ أُمِّ الْوَلِيدِ بَنَا ** دَهْراً وَصَارَ أثَاثُ الْبَيْتِ خُرْثِيَّا

قرئ على خمسة أوجه {رِءْياً} وهو المنظر والهيئة فعل بمعنى مفعول، من رأيت {وريئاً} على القلب كقولهم: راء في رأي {ورياً} على قلب الهمزة ياء والإدغام، أو من الريّ الذي هو النعمة والترفه، من قولهم: ريان من النعيم. {ورياً} على حذف الهمزة رأساً، ووجهه أن يخفف المقلوب وهو {رئياً} بحذف همزته وإلقاء حركتها على الياء الساكنة قبلها {وزياً} واشتقاقه من الزيّ وهو الجمع؛ لأن الزيّ محاسن مجموعة، والمعنى: أحسن من هؤلاء.

.تفسير الآية رقم (75):

{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)}
أي مدّ له الرحمن، يعني: أمهله وأملى له في العمر، فأخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك، وأنه مفعول لا محالة، كالمأمور به الممتثل، لتقطع معاذير الضالّ، ويقال له يوم القيامة {أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} [فاطر: 37] أو كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران: 178] أو {مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً} في معنى الدعاء بأن يمهله الله وينفس في مدّة حياته. في هذه الآية وجهان، أحدهما: أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما، أي قالوا: أيّ الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً. {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين {إِمَّا العذاب} في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم. وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال، فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه، وأنهم شر مكاناً وأضعف جنداً، لا خير مقاماً وأحسن ندياً. وأن المؤمنين على خلاف صفتهم.
والثاني: أن تتصل بما يليها. والمعنى: أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم، والخذلان لاصق بهم لعلم الله بهم، وبأن الألطاف لا تنفع فيهم وليسوا من أهلها. والمراد بالضلالة: ما دعاهم من جهلهم وغلوّهم في كفرهم إلى القول الذي قالوه. ولا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة ومقدّماتها.
فإن قلت: (حتى) هذه ما هي؟ قلت: هي التي تحكى بعدها الجمل ألا ترى الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله: {إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ... فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} في مقابلة {خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} لأن مقامهم هو مكانهم ومسكنهم. والنديّ: المجلس الجامع لوجوه قومهم وأعوانهم وأنصارهم. والجند: هم الأنصار والأعوان.

.تفسير الآية رقم (76):

{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)}
{وَيَزِيدُ} معطوف على موضع (فليمدد)؛ لأنه واقع موقع الخبر، تقديره: من كان في الضلالة مدّ أو يمدّ له الرحمن. ويزيد: أي يزيد في ضلال الضالّ بخذلانه، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه {والباقيات الصالحا تُ} أعمال الآخرة كلها. وقيل: الصلوات. وقيل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أي هي خَيْرٌ ثَوَاباً من مفاخرات الكفار {وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أي مرجعاً وعاقبة، أو منفعة، من قولهم: ليس لهذا الأمر مردّ:
وَهَلْ يَرُدُّ بُكاى زَنْدَا

فإن قلت: كيف قيل خير ثواباً كأنّ لمفاخراتهم ثواباً، حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه؟ قلت: كأنه قيل: ثوابهم النار. على طريقة قوله:
فَأَعْتَبُوا بِالصَّيْلَمِ

وقوله:
شَجْعَاءَ جِرَّتُهَا الذَّمِيلُ تَلُوكُهُ ** أُصُلاً إذَا رَاحَ الْمُطِيُّ عِرَاثَا

وقوله:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ

ثم بنى عليه خير ثواباً. وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له: عقابك النار.
فإن قلت: فما وجه التفضيل في الخير كأن لمفاخرهم شركاً فيه؟ قلت: هذا من وجيز كلامهم، يقولون: الصيف أحرّ من الشتاء، أي: أبلغ في حَرِّه من الشتاء في برده.

.تفسير الآيات (77- 80):

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)}
لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقاً إلى الإحاطة بها علماً وصحة الخبر عنها، استعملوا {أرأيت} في معنى (أخبر) والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب، كأنه قال: أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك {أَطَّلَعَ الغيب} من قولهم: أطلع الجبل: إذا ارتقى إلى أعلاه وطلع الثنية. قال جرير:
لاَقَيْتُ مُطَّلَعَ الْجِبَالِ وُعُورَا

ويقولون: مرّ مطلعاً لذلك الأمر، أي عالياً له مالكاً له، ولاختيار هذه الكلمة شأن، يقول: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار. والمعنى: أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين: إما علم الغيب، وإما عهد من عالم الغيب، فبأيهما توصل إلى ذلك؟ قرأ حمزة والكسائي: {ولداً} وهو جمع ولد، كأسد في أسد. أو بمعنى الولد كالعرب في العرب.
وعن يحيى بن يعمر: {ولداً} بالكسر.
وقيل في العهد: كلمة الشهادة.
وعن قتادة: هل له عمل صالح قدّمه فهو يرجو بذلك ما يقول؟ وعن الكلبي: هل عهد الله إليه أنه يؤتيه ذلك؟ عن الحسن رحمه الله: نزلت في الوليد بن المغيرة، والمشهور أنها في العاصي بن وائل. قال خباب بن الأرت: كان لي عليه دين فاقتضيته، فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد.
قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حياً ولا ميتاً ولا حين تبعث. قال: فإني إذا مت بعثت؟ قلت: نعم. قال: إذا بعثت جئتني وسيكون لي ثمَّ مال وولد فأعطيك وقيل: صاغ له خباب حلياً فاقتضاه الأجر، فقال: إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً، فأنا أقضيك ثَمَّ فإني أوتى مالاً وولداً حينئذ {كَلاَّ} ردع وتنبيه على الخطأ أي: هو مخطيء فيما يصوّره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه.
فإن قلت: كيف قيل: {سَنَكْتُبُ} بسين التسويف، وهو كما قاله كتب من غير تأخير، قال الله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله، على طريقة قوله:
إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لِئيمَةٌ

أي تبين وعلم بالانتساب أني لست بابن لئيمة.
والثاني: أن المتوعد يقول للجاني: سوف أنتقم منك، يعني أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر، فجرد هاهنا لمعنى الوعيد. {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} أي نطوّل له من العذاب ما يستأهله ونعذبه بالنوع الذي يعذب به الكفار المستهزؤن. أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد. يقال: مده وأمده بمعنى، وتدل عليه قراءة عليّ بن أبي طالب: (ونمد له) بالضم، وأكد ذلك بالمصدر، وذلك من فرط غضب الله، نعوذ به من التعرّض لما نستوجب به غضبه.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه من يستحقه. والمعنى مسمى ما يقول. ومعنى {مَا يَقُولُ} وهو المال والولد. يقول الرجل: أنا أملك كذا، فتقول له: ولي فوق ما تقول، ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالاً وولداً، وبلغت به أشعبيته أن تألىَّ على ذلك في قوله: {لأُوتَيَنَّ} لأنه جواب قسم مضمر، ومن يتألَّ على الله يكذبه، فيقول الله عز وجل: هب أنا أعطيناه ما اشتهاه، إما نرثه منه في العاقبة ويأتينا فرداً غداً بلا مال ولا ولد، كقوله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى....} الآية [الأنعام: 94] فما يجدي عليه تمنيه وتأليه. ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حياً، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله، ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه غير قائل له، أو لا ننسى قوله هذا ولا نلغيه، بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به {وَيَأْتِينَا} على فقره ومسكنته {فَرْداً} من المال والولد، لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه، فيجتمع عليه الخطبان: تبعة قوله ووباله، وفقد المطموع فيه. فرداً على الوجه الأول: حال مقدرة نحو {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] لأنه وغيره سواء في إتيانه فرداً حين يأتي، ثم يتفاوتون بعد ذلك.